قبل سنوات، كان من الصعب التنبؤ للكوميديا الارتجالية «ستاند آب» بالنجاح في الساحة الإعلامية العراقية، لا سيما أنها معنية بالتعرض للمحرمات السياسية والاجتماعية في بلاد يجرها العنف والانقسام إلى الهاوية.
لكن هذا التشاؤم لم يعد له وجود مع ظهور فعاليات تستحق الانتباه، من بينها تجربة «ستاند آب كوميدي» في مدينة البصرة (جنوب العراق) التي يقدمها الفنان والإعلامي العراقي أحمد وحيد، مع زميله بدر السليطي.
كان واضحاً منذ البداية، أن العرض الذي لم يألفه الجمهور العراقي من قبل كثيراً، يستعد للتعرض بالسخرية لمشكلات تعصف بالبلاد، بدءاً من الإرهاب والفساد وانتهاءً بظواهر اجتماعية نشأت على هامش الحروب.
وفي أول ظهور على مسرح كبير وسط مدينة البصرة، لخص وحيد الفترات السياسية المتعاقبة ما بعد 2003 بتقليد من تقلدوا الحكم فيها. كان ساخراً، متقناً نبرة الصوت ومفاتيح العبارات السياسية التي عرفها الجمهور عن إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، وفي طريق تقليده لهم كان يسخر من محطات سياسية سيئة في تاريخ البلاد.
انتبه الجمهور للكوميديا الارتجالية القادمة من البصرة، وفجأة صار من الطبيعي أن تكتشف أن مثل هذه الفنون يمكنها أن تجذب الجمهور، على الأقل أنه في حاجة إلى صوت يعبر عن نقمه من الواقع. يقول أحمد وحيد في تصريح إلى «الحياة» إن «ستاند آب كوميدي تمكن من أن يستقطب جمهوراً يريد أن يسمع صوتاً مختلفاً، صوتاً غير مشوه». ويتابع: «الجمهور منقسم بين ناشطين ناقمين يجدون في المسرح ما ينوون قوله في ساحات التظاهر، وبين مواطنين عاديين يجدون في الستاند آب ما يريدون قوله، الا ان صوتهم غير مسموع، او تخونهم الطريقة في التعبير او في آلية ايصال ما يودون قوله».
لكن وحيد، وزملاءه، يواجهون مهمة شاقة في التعرض للخطوط الحمر، لقد سمع الجمهور سخرية «حذرة» من الطائفية والأحزاب. كما حول «داعش» مادة كوميدية يمكن من خلالها النظر إلى التطرف بوصفه داءً «يهدد الإنسانية».
في أحد عروض «ستاند آب» في البصرة، وقف وحيد بين شخصين، سني وشيعي، كانا يحاولان إقناعه بأن يكون «طائفياً» مع أحدهما. النص الذي أعده لهذه الفقرة من العرض كان مبسطاً وساخراً من أن «الحياة لن تكون بخير ما دامت على شاكلة الحوار بين سني وشيعي»، ليختم تلك الفقرة أمام الجمهور بـ «أنا إنسان».
وفي مشهد آخر يرتدي وحيد زي مُفجر انتحاري ويسخر من متشددي التنظيم بينما يرتدي في مشهد آخر زياً لزعيم قبلي. ويقول في المشهد: «لماذا لا تكون العشيرة هي كل شيء، ونبتكر وزارة فيها لشؤون الدولة!».
يقول وحيد: «الاقتراب من التابوات عملية حساسة جداً، قد تؤدي الى مضاعفة الأمراض التي يعاني منها المجتمع. لذلك فإن الاقتراب من التابو يعتمد عدم الاعتماد على الكلام المعلب والجاهز المطروح في الاعلام حتى لو كان صحيحاً لأنه يؤدي بالمتلقي الى ان يصنفك مع من قالوا او آمنوا بهذا الكلام، فضلاً عن طرح المعاناة الحقيقية والمادية للبسطاء جراء استغلال التابوات لأن الناس يلتفتون الى الأضرار المادية أكثر من الأفكار».
ويعتقد وحيد أن صوغ نص كوميدي ساخر بتوازن وحياد يجعل الفكرة «ناعمة» على رغم حساسية الملف المفتوح.
ويعرب وحيد عن تفاؤله بنجاح الكوميديا الارتجالية في العراق، إذ يرى أن هذا الفن استطاع حتى الآن ان يسلك طرقاً لم يسلكها الإعلام التقليدي، ويقول إنه «اعتمد الصراحة والفكاهة التي تعطي له جواز سفر الى ذائقة المتلقي».
القائمون على العرض الكوميدي الارتجالي في البصرة يظنون أنهم على وشك تأسيس تجربة فنية إعلامية «لم تتشوه بعد»، ليس هذا وحسب، إنهم يأملون بأن يتغير مزاج الناس وتنقلب قناعاتهم في أفكار كانت عصية على الجدل، وليس السخرية.
Share