وكالة الاضواء الاخبارية
و.ض.أ / بهاء مانع المنصوري
ضَيف ملتقى جيكور الثقافي الشاعر العراقي المغترب داود أمين للحديث عن الحزن في القصيدة العراقية مع قراءات شعرية يشارك فيها عضو إتحاد ألأدباء من مدينة الناصرية الشاعر ناجح ناجي وذلك في قاعة الشهيد هندال تقديم الشاعر و ألإعلامي عبد السادة البصري والتي حضرتها وكالة الأضواء الاخبارية ، أن داود أمين ولد في قضاء شط العرب بمدينة البصرة عام 1948 وأمضت عائلته في التنقل بين مدينته البصرة والناصرية بسبب وضعه السياسي إلى أن استقرت في الناصرية بينما هو غادر العراق بسبب مطاردة النظام ألبعثي له غادر العراق عام 1978 وعاد في 1980 ليقاتل النظام مع الأنصار في شمال الوطن ثم غادر العراق مرة أخرى ليعود بعد سقوط النظام .
وتحدث البصري في تقديمه للضيف أن استضافة اليوم تأتي ضمن تعزيز العلاقات الثقافية بين ملتقى جيكور وإتحاد أدباء الناصرية وتطويرها من خلال اللقاءات والحوارات في كافة المجالات الثقافية ، إن الحزن قد تجذر في المجتمع العراقي منذ القدم وهو ما يميز القصيدة العراقية وغناءها حتى إن المطرب الكبير عبد الحليم حافظ سأل في لندن من قبل أحدى العرافات لماذا الحزن في أغانيكم وقصائدكم العربية جميعا فأجبتها لأن الحزن عصير حياتنا ، فإذا كان الحزن عصير حياة عبد الحليم حافظ فماذا يقول العراقي إذا كانت حياته حزن في حزن .
وقال الشاعر داود أمين ” يسألنا الكثير من أصدقائنا العرب عن حزننا العراقي ماهي أسبابه ولماذا يلون بالسواد مساحة القصيدة العراقية المغناة بكاملها ويطبع على ملامحها وينز من مساماتها إلى هذا الحد ؟ إنهم يقولون لنا أليست سماءكم زرقاء ألا يجري الرافدان العظيمان في عراقكم الأخضر ، ألا تطير العصافير في سمائكم أم لا تشرق الشمس في نهاراتكم أليست بلاد الثلاثين مليون نخلة فكيف لا تصدمكم هذه الخضرة الكثيفة بحضورها الدائم ، إذن لماذا تبالغون في أحزانكم ؟ أهي نزعة مازوكية أدمنتم وجعها وقطفتم ألمها أم هو نوع من التميز تريدون التفرد فيه عن الآخرين وهنا أحاول تلمس جذور هذا الحزن في القصيدة والغناء العراقي وخوض مجازفة تفسيره وعسى أن أوفق قليلا .
ألوان ألأغنية العراقية / الغناء الريفي والبغدادي والبدوي
الغناء الريفي هو ألأكثر شيوعا بل هو الذي وسم ألأغنية العراقية بطابعها وهو المتخم بالحزن واللوعة ومنه سرت التهمة غير الملفقة لكل الغناء العراقي باعتباره غناء حزينا وقد انتشر هذا النوع من الغناء في محافظات الوسط والجنوب وامتد من جنوب بغداد وحتى شمال البصرة وبرزت الناصرية فيه لتوسطها هذه المنطقة وإنسانها أبدع في هذا النوع من الغناء و تأليفها “.
وأضاف إذا لماذا الحزن ؟ نستطيع أن نفصله لعدت أسباب أهما :
حزن تاريخي / فالحزن قديم في العراق إذ تعود جذوره إلى آلاف السنين الغابرة فإنسان هذه الأرض كان طوال تاريخه الذي وصلنا إنسان مهموم على الدوام بموضوع الحياة والموت وفي الصراع مع الطبيعة وتكثيفها وبالزراعة وتدجين الحيوان وفي الكتابة والتدوين والقوى الخارجية ألتي تتحكم في الكون وكيفية أرضائها والحد من غضبها ترك آثارا نفسية على ذلك الإنسان وولدت لديه شعور متراكم في الحزن باعتبار الحزن رديفا للوعي والشعور بالمسؤولية .
حزن طبقي / الفلاح والعامل يكدح طوال حياته وينعم بذلك الإقطاعي والبرجوازي بالنصيب الأوفر من كدهم وكان الإقطاع يتحكم بحياة الفلاحين وأسرهم .
حزن شيعي / من المعروف أن جميع المحافظات ألتي أشرنا إليها هي محافظات شيعية بمعنى إن الغالبية الساحقة لسكانها هم من الشيعة وخصوصا سكان الريف وهم يشكلون 80% من سكان المنطقة وفي ها توجد مراقد الأئمة الشهداء علي والحسين والعباس عليهم السلام ومراقد الحمزة والقاسم وغيرهم كذلك أصحاب آل البيت وقد تعود الشيعة منذ مئات السنين على أحياء شعائر عاشوراء واستذكار فاجعة الأمام الحسين وكان القاري يهيج الجمهور بصوته الحزين الرخيم وينتزع الدموع من عيون الرجال قبل النساء وهي قصص حزينة ثم يكمل ما بدأه القاري هو الرادود الذي يردد ملحنا تلك الفصول بل يغنيها بصوت عذب أخاذ .
دور ألأم في تعميق الحزن / كانت ولا تزال ألأم عند العراقي إنسانا لسيقا ترافق أبنها زمنا طويلا وقد تزوجه وتربي أولاده ولكنها تظل تتعامل معه كولد صغير وهي زوجة الفلاح والكادح المطمور أصلا لهذا كان القمع والاضطهاد مضاعف عليها وهي بحكم أنوثتها ورقة مشاعرها الجياشة لا تستطيع أن تخفي دموعها أو تتكتم على أحزانها ، إن حزن ألأم العراقية ينفجر في أغاني الهدهدة ألتي تلقنها لوليدها منذ المهد فلذلك العراقي يمتص دروس الحزن ألأولى مع حليب أمه وهكذا فأن الحزن مبثوث في آذان ألأمهات وهن يهدهدن أطفالهن بصوت حزين .
وتساءل الشاعر داود أمين هل الحاضر يبشر بقصيدة أو أغنية متفائلة ؟ يتهمنا البعض بأننا نبالغ في حزننا العراقي ونتكأ على الماضي ألإقطاعي الذي ولى وعلى التفاوت الطبقي الذي زال مع زوال الإقطاع وعلى تاريخ أصبح قديما ولا يمكن النظر إلى مآسيه ونحن أمام مثل هذه الاتهامات نبتسم بمحبة وألم أمام أصدقائنا الطيبين ونقول لهم نحن لا نحب أحزاننا لأننا لا نستوردها ولا نستعير أحزان الآخرين ولا نبتاعها كما نبتاع الملابس العتيقة ، حزننا ليس عريقا وأصيلا إنه حزن مستمر ومتواصل عاشه أجدادنا وآباءنا ، نحن لا نعشق أحزاننا وفي ودنا نعيش مثل متهمينا بدونها ولكن حجارة الحاضر الذي نعيشه تصدم رؤوسنا بقسوة وصلابة وتؤجج الحزن المتخثر في أرواحنا “.
وقال الشاعر صبيح حسن ” جلسة اليوم هي جلسة استثنائية أثمرت نتيجة التنسيق والتعاون بين ملتقى جيكور وأدباء ومثقفي الناصرية وهي فكرة استحدثت من خلال منهجية وبرامج جيكور أن يجري التنسيق مع جميع الأدباء من جميع المحافظات وهو تلاقح ثقافي وقوي على مستوى الأدباء والمثقفين وعلى مستوى المدينة والمنتديات الأخرى وهذه الفكرة يمكن العمل بها وتطويرها وأن تحصل تجمعات وبرامج ثقافية واسعة تضم أكثر من ملتقى وأكثر من وجه وأسم للنهوض بالمشهد الثقافي في هذه المرحلة وهذه حاجة ضرورية نحتاجها في كل مفاصل المستوى الثقافي سواء في مدينة البصرة أو المدن الأخرى في العراق “.
