تقرير – عماد بعو
يعد التوحد من الأمراض الغريبة التي تصيب الاطفال ويترك انعكاسا واضحا على تواصلهم مع الآخرين وممارسة حياتهم بشكل طبيعي مما يشكل تحديا أمام أسرهم، الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الرعاية والاهتمام بهم لتطوير قابلياتهم على التواصل.
وقبل الخوض في كيفية التعاطي مع المرض لابد من الاشارة الى مفهومه وأسبابه
وبهذا الصدد يذكر الدكتور حسين الجبوري، اختصاص علم نفس في جامعة كربلاء، ان “التوحد كلمة مترجمة عن اليونانية وتعني العزلة أو الانعزال بالعربية, فالتوحد اضطراب معقد في النمو يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل نتيجة خلل وظيفي في المخ والأعصاب، لم يصل العلم إلى تحديد أسبابه بعد, وقد لوحظ إن حوالي ٤٠ % من التوحديين لديهم معامل ذكاء عن (50 – 55 ) وحوالي 30 % يتراوح معامل ذكائهم بين (50 – 70 ) ويلاحظ ان حدوث التوحد يتزايد مع نقص الذكاء فحوالي ٢٠ % من التوحديون لديهم ذكاء غير لفظي”.
ويلفت الى ان “المختص يعرف الطفل التوحدي على أنه ذلك الطفل الذي تظهر عليه المظاهر الأساسية التالية قبل سن ٣٦ شهرا: الإخفاق في تنمية القدرة على الكلام والتحدث أو الاخفاق في القدرة على استخدام ما تعلمه للتواصل الطبيعي مع الآخرين, والانطواء والانعزال, ووجود سلوكيات نمطية غير هادفة ومتكررة بشكل واضح”.
ويتابع الدكتور الجبوري حديثه “نلاحظ أن الطفل المصاب بالتوحد يكون طبيعياُ عند الولادة وليس لديه أية إعاقة جسدية أو خلقية وتبدأ المشكلة بملاحظة الضعف في التواصل لدى الطفل ثم عدم القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية وميله للعزلة مع ظهور مشاكل في اللغة إن وجدت ومحدودية في فهم الأفكار ولكنه يختلف عن الأطفال المتخلفين عقلياً بأن البعض من المصابين لديهم قدرات ومهارات فائقة قد تبرز في المسائل الرياضية أو الرسم والمهارات الدقيقة ويتفوق عليه الطفل المتخلف عقلياُ في الناحية الاجتماعية”.
أسباب المرض وأعراضه
يشير المختص في علم النفس الى أسباب التوحد بالقول “كان الاعتقاد السائد لسنوات عديدة أن التوحد سببه خطأ في العلاقة بين الأم والطفل أي ان هناك تقصير في الرعاية من جانب الأم، أما الآن فقد بدا واضحاُ أن أسباب التوحد بيولوجية وليست نفسية مثل الحصبة الألمانية أو الحرارة العالية المؤثرة أثناء الحمل، أو وجود كروموسومات تحمل جينات معينة أو تلفاُ بالدماغ أو أثناء الولادة بسبب نقص الأوكسجين ( الولادة المتعسرة ) مما يؤثر على الجسم والدماغ وتظهر فيما بعد عوارض التوحد.. او اسباب نفسية او وراثية او اسباب فيروسية والحقيقة ما زالت غامضة حتى الآن” .
وينوّه الدكتور الجبوري الى أعراض المرض “عادة لا يمكن ملاحظة التوحد بشكل واضح حتى يبلغ الطفل سن ٢٤ شهرا حيث يلاحظ الوالدان تأخراً في اللغة أو اللعب أو التفاعل الاجتماعي، وغالباً ما تكون الأعراض واضحة في الجوانب التالية منها قلة الأكل والشرب والنوم , واضطراب الوجدان, والسلوك, وقلة اللعب, والمشكلات الحسیة , وضعف التفاعل الاجتماعي، ويكون تشخيص التوحد والعلاج بمراجعة طبيب اعصاب وطبيب اطفال متخصص في النمو واخصائي نفسي واخصائي علاج لغة وامراض نطق واخصائي علاج مهني وتعليمي كما يمكن أن يشمل الفريق مختصين آخرين ممن لديهم معرفة جيدة بالتوحد”.
نصائح وارشادات
ويختم الدكتور الجبوري حديثة بذكر بعض النصائح التي يمكن تقديمها للأسر التي يعاني أطفالها من التوحد وهي:
1 – لا بد من تحديد الأشياء التي يفضلها الطفل، وكذلك السلوكيات التي يجب أن يسلكها وكذلك تحديد الأشياء التي تضايقه.
٢ – التعرف على النظام الروتيني الذي يحبه الطفل وإتباعه؛ لأن الطفل التوحدي بطبعه روتيني.
٣ – لا بد من تحديد جوانب الحياة التي يعرفها (الوجدانية، الاجتماعية، المعرفية، …).
٤ – بعد ذلك على الوالدين تجنب المواقف التي تثير غضب الطفل.
٥ – العمل على التقرب إليه بعلاقة جسدية بالملامسة والكلمات الرقيقة، والنجاح في التقرب إليه بهذه العلاقة مفتاح لتعديل سلوك هذا الطفل.
6– ولأن الطفل التوحدي كما قلنا روتيني؛ فإنه في حالة محاولة تعديل أي سلوك من سلوكياته فلا بد من تجنب التغييرات المفاجئة سواء في المكان أو السلوك، ومحاولة الحفاظ على استقراره.
معاناة ومناشدات
والد الطفل المصاب بطيف التوحد أمير علي هادي تحدث عن اصابة ابنه بالمرض وسعيه لتأهيله في التواصل قائلا “بعد مرور سنة تقريبا من ولادة أمير اكتشفت انه مصاب بطيف التوحد وذلك بعد مراجعات كثيرة للأطباء داخل البلد وحينها لم اتوصل الى نتيجة، بعد ذلك قمت بمراجعة الاطباء في الدول ايران وتركيا والهند حتى تم تشخيص حالته أخيرا من قبل طبيب في لبنان وقال (ان ولدي مصاب بطيف التوحد ويحتاج إلى معهد تدريب)”.
وواصل والد الطفل أمير قوله “هناك معاهد أهلية ولكنها اجورها مرتفعة وهي ليست بالمستوى المطلوب ولكن عندما علمت بمعهد نور المصطفى للتوحد وهو معهد متخصص وموثوق به تابع للعتبة الحسينية المقدسة سارعنا للانضمام اليه”.
وأنهى حديثه قائلا “عانينا الكثير، ومن هذا المنبر نطالب الجهات الحكومية الالتفات الى هذه الفئة المظلومة ولعوائلها وفتح مستشفيات ومدارس وجمعيات خاصة بها”.
احتضان وتأهيل
معهد نور المصطفى للتوحد وذوي الاحتياجات الخاصة في العتبة الحسينية المقدسة احتضن منذ تأسيسه اطفال التوحد لتأهيلهم وتطوير قابلياتهم وبهذا الخصوص قال مدير المعهد الاستاذ عمران الطائي ان “المعهد تأسس عام 2016, ويستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة ومنها التوحد وصعوبات النطق والتعلم, واقمنا عدة دورات منها تتعلق بجانب السلوك وغيرها, ويكون الدوام خمسة أيام في الاسبوع ويبدأ من الساعة الثامنة صباحا لغاية الواحدة ظهرا “.
ولفت الى ان “المعهد استقبل الطلاب من عمر (7) سنوات فصاعدا وحاليا تم تحديد العمر وهو (12) سنة, مضيفا “تبلغ اجور انضمام الطالب الى المعهد ١٢٥ ألف دينار شهريا مع توفير النقل ويوجد اعفاء من القسط الشهري وتخفيض لبعض الطلاب من الشريحة محدودة الدخل “.