و.ض.أ / سوريا / شذا لطه
تعد مبادرة “الحزام والطريق” مشروع صيني اقتصادي تنموي مهم، يهدف إلى تطوير وإنشاء طرق وممرات تجارية برية وبحرية تربط أكثر من 150 دولة، وتعزيز التعاون بينها في مختلف المجالات، ما يؤسس لمرحلة جديدة تضع حداً لهيمنة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على مقدرات العالم وسرقتها ثروات شعوبه، وتؤسس لعالم متعدد الأقطاب يقوم على أساس المساواة واحترام المصالح المتبادلة لجميع الشعوب.
مبادرة (حزام واحد.. طريق واحد) تسمية مختصرة لـ الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين، أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، بهدف توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، من خلال تشييد شبكات سكك حديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية واتصالات سلكية ولاسلكية وبنى تحتية بحرية، وإعادة إطلاق طريق الحرير القديم.
المبادرة تنقسم إلى فرعين الأول: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الذي يهدف إلى ربط الصين بأوروبا مروراً بجنوب آسيا وآسيا الوسطى، والثاني: طريق الحرير البحري الذي يهدف إلى ربط الصين بأوروبا مروراً بجنوب شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يفتح فصلاً جديداً في التعاون الدولي، بهدف الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً.
الصين أسست صندوقاً استثمارياً برأس مال يقدر بمليارات الدولارات لتمويل هذه المشاريع، ومساعدة الدول النامية والمؤسسات الدولية في دول طريق الحرير، والمبادرة لا تكتفي بتطوير البنى التحتية وتعزيز التجارة العالمية، بل تعمق الروابط بين الشعوب والتبادل بين الثقافات والتعاون الاقتصادي الرقمي، ما يفضي إلى بناء اقتصاد عالمي مفتوح، وتعزيز الرخاء والتنمية في العالم بأسره.
الرئيس الصيني دعا منذ طرحه المبادرة إلى بناء “رابطة المصير المشترك للبشرية” انطلاقاً من دور بلاده ومسؤوليتها في بناء عالم موحد، وألقى كلمة بمقر الأمم المتحدة في جنيف في الـ 18 من كانون الثاني 2017 طرح فيها مقترحات بلاده لأن يكون العالم أسرة واحدة، وضرورة جمع جهود المجتمع الدولي لجعل الكرة الأرضية أكثر سلماً وازدهاراً على أساس مفهوم رابطة المصير المشترك للبشرية.
وفي شباط 2017 أدرجت الأمم المتحدة مفهوم (إنشاء المصير المشترك للبشرية) ضمن قرارها المعنون “الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا في المجال الاجتماعي”، وفي الـ 17 من آذار، أدرج مجلس الأمن الدولي (رابطة المصير المشترك للبشرية) في قراره رقم 2344 الذي دعا إلى تعزيز التعاون الإقليمي من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، وأكد على دفع التعاون الإقليمي، انطلاقاً من روح التعاون وضمان الأمن والاستقرار والتنمية لبناء الرابطة.
المبادرة لاقت ترحيباً دولياً واسعاً وانضم إليها حتى اليوم أكثر من 150 دولة بينها سورية، إضافة إلى أكثر من 30 منظمة دولية، لكونها جاءت في إطار الجهود الدولية لإنشاء منابر دولية متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة ومجموعتي الـ 20 وبريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، لتشكيل نظام عالمي أكثر عدلاً وديمقراطية في مواجهة غطرسة الولايات المتحدة.
سورية شكلت محطة مهمة في طريق الحرير منذ القدم، حيث بيعت من خلالها المنتجات الصينية مثل الحرير والخزف إلى غرب آسيا، ويرجع التواصل بينها وبين الصين إلى ما قبل ألف عام، إذ كانت تدمر مركزاً تجارياً مهماً وهمزة وصل بين الشرق والغرب، ما يجعل الصين وسورية شريكين طبيعيين في بناء “الحزام والطريق”، إضافة إلى وجود أساس متين وآفاق واعدة للتعاون بين البلدين، نظراً لروابط الصداقة التاريخية والتطابق التام بين مبادرة “الحزام والطريق” وإستراتيجية السيد الرئيس بشار الأسد حول (التوجه نحو الشرق).
وفي 17 تموز عام 2021 بحث الرئيس الأسد مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي مشاركة سورية في مبادرة “الحزام والطريق”، وأكد سيادته أن الصين دولة قوية، ولها موقع كبير ومهم على الساحة الدولية، وسورية تتطلع إلى توسيع مجالات التعاون معها على مختلف الأصعدة، فيما نوه وزير الخارجية الصيني بأهمية مشاركة سورية في المبادرة نظراً لموقعها ودورها الإقليمي المهم، مؤكداً استمرار بلاده بدعم سورية في حربها ضد الإرهاب ومواجهة الحصار والعقوبات الغربية المفروضة عليها.
وفي 5 تشرين الثاني 2021 أكد الرئيس الأسد خلال اتصال هاتفي مع الرئيس شي جين بينغ حرص سورية على تطوير العلاقة بين البلدين، والانضمام لمبادرة “الحزام والطريق” التي تشكل طريقاً للاقتصاد والتنمية، وأسلوباً جديداً في تعامل الدول مع بعضها من أجل ربط المصير المشترك للشعوب وللبشرية، بينما شدد الرئيس الصيني على أن الصداقة بين بلاده وسورية تضرب جذورها في أعماق التاريخ، مرحباً بمشاركة سورية في المبادرة.
ووقعت سورية والصين في 12 كانون الثاني 2022 مذكرة تفاهم في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، انضمت سورية بموجبها إلى المبادرة، الأمر الذي يساعد في فتح آفاق واسعة من التعاون بين البلدين، ومع عدد من الدول الشريكة بالمبادرة في عدة مجالات، تتضمن تبادل السلع والتكنولوجيا ورؤوس الأموال وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي.
وفي 29 نيسان 2023 أكد الرئيس الأسد خلال لقائه المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون أهمية مبادرة “الحزام والطريق” في تحقيق التنمية والتعاون الاقتصادي، موضحاً أنه ولطالما كانت المواجهة اقتصادية بالدرجة الأولى، فإن التحرر من قيد التعامل بالدولار أصبح ضرورياً، وأن دول بريكس تستطيع أن تؤدي دوراً قيادياً في هذا المجال، إضافة لخيار اعتماد اليوان الصيني في التعاملات التجارية بين الدول، بينما أشار المسؤول الصيني إلى أن بلاده تنظر إلى العلاقات مع سورية من منظور إستراتيجي، وضمن رؤية شاملة للمنطقة.
وخلال السنوات العشر الماضية، حققت مبادرة “الحزام والطريق” نتائج مثمرة، حيث تم استقطاب أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم للانضمام إليها، وإقامة أكثر من 3000 مشروع تعاوني، وتحفيز استثمار نحو تريليون دولار أمريكي، وإيجاد 420 ألف فرصة عمل للدول الواقعة على طول الطريق، لتثبت هذه الإنجازات أن “الحزام والطريق” تعود بالنفع على جميع الدول، وتساهم بإحلال الأمن والسلام في العالم أجمع
Share