و.ض.أ/ ماجد الغضبان
احتفى اتحاد أدباء وكتاب مدينة البصرة بالذكرى الثالثة لرحيل القاص والروائي محمود عبد الوهاب، هذا الاحتفاء الذي تأخر بسبب المناسبات الدينية التي مرت خلال الأيام السابقة، كان كبيراً على مستوى الكلمات التي ألقيت في الجلسة التي أقيمت يوم السبت الماضي وقدمها الشاعر واثق غازي.
في مفتتح الجلسة بيّن غازي أهمية عبد الوهاب في السرد البصري خاصة، والعراقي عموماً، متحدثاً عن علاقة الراحل بأدباء البصرة، إذ لم يكن إلا صديقاً للجميع، بالرغم من رحيله عن عمر يناهز الـ83 عاماً.
المبدع المثالي
افتتح الكلمات القاص محمد خضير الذي قال: إنه لم يكتب شيئاً في ذكرى صديقه الأحب محمود عبد الوهاب هذا العام، معللاً ذلك لأنه من الصعب الحديث عن راحل واحد في ظل آلاف الراحلين الذين يموتون بشكل يومي في العراق، مشيراً إلى أن العام ماضي قتل فيه ما لا يقل عن 15 ألف مواطن عراقي، مؤكداً أنه لا يستطيع أن يقول شيئاً في هذه المناسبة، سوى أنه يبحث في واحد عن الموتى ليتحدث في ذكراه كناية عن الآلاف. مضيفاً أن محمود عبد الوهاب يمكن أن يكون مثالاً يبحث كل واحد منا عن إنموذج يرسم فيه محياه على قياساته، ومطابقة هذا المثال على شاكلته ومزاياه وخصوصياته.
ملتقى باسم الراحل
من جانبه دعا الشاعر كريم جخيور؛ رئيس اتحاد أدباء البصرة، ان تكون الاحتفاءات بالمبدعين والراحلين بشكل مغاير، لا مجرد كلمات تلقى ثم تنسى بعد لحظات. فمحمود عبد الوهاب جسد مقولة سعدي يوسف (أمشي مع الجميع وخطوتي وحدي)، فإلى الآن لا يوجد في قلب أي منا مثلبة ولو صغيرة عن عبد الوهاب. وكشف جخيور في كلمته بأن الاتحاد سوف يحتفي بعبد الوهاب بأن يسمى الملتقى الثاني للرواية باسمه، “الآن يحضر الاتحاد نفسه لإقامة هذا الملتقى في منتصف الشهر المقبل؛ شباط، بعد لقاء تم مع وكيل وزير الثقافة، وسوف يتم الاتفاق على الآليات جميعها”.
البحث في المنجز
وطالب الناقد جميل الشبيبي الحاضرين بأن يتركوا كلمات المديح والمعرفة الشخصية بعبد الوهاب، والالتفات إلى منجزه القصصي والشعري والروائي. قائلاً : إن عبد الوهاب خلاصة جيل له رؤيا عن الفن والواقع، وهذا المعنى مفتقد في الوقت الحاضر، نفتقد الآن العلاقة بين الفن والحياة، بين الرؤيا والواقع، وكان عبد الوهاب قادراً على ذلك خلال حياته منذ الخمسينيات وحتى يوم رحيله. ويمكن أن نرى ذلك في الكثير من قصصه، ففي قصته (القطار الصاعد إلى بغداد) طور الكثير من تقنيات الكتابة، لكنه بقي مخلصاً أيضاً لوجهة نظره عن الحياة، فنجد في تلك القصة أن الواقع المزري الذي يعيشه الناس كان منحسراً بشكل من الأشكال، فوجهة نظر القاص لا تذهب إلى هؤلاء الفقراء، بل كان يفكر بشيء أكبر، مثل الرافعات العملاقة في الموانئ، وصديقه العامل، وعندما يصل إلى مدينة بغداد، يغير نظرته إلى الحشود، بل يراها كتلة صلدة ذات اتجاهات وتحركات معينة. وفي هذه القصة يلاحظ التوازن ما بين الفن والواقع بشكل بارز. فضلاً عن قصته المهمة (يوم في مدينة أخرى). وأضاف الشبيبي “من بديهيات حياة القاص محمود عبد الوهاب ولعه الكبير في سرد الطرائف التي تحول أحزان الحياة ومنغصاتها إلى فكاهة ومرح مر يثير الأسئلة، ويستخف بالأهوال والمنغصات اليومية، وكأنه بذلك يدرأ عن نفسه وأصدقائه وتلاميذه قوة صدمات الحياة وجبروتها ولا معقوليتها، لكنه لم يستثمر ذلك قط في كتاباته القصصية، التي جاءت جادة في تفاصيلها وفي افقها الدلالي”.
لم يمت
من جانبه بيّن الناقد عبد الغفار العطوي، أن للكاتب ميتتين، ميتة بايولوجية، وميتة مفهومية، وللنص السردي حياتان، جمالية وتاريخية.. القاص محمود عبد الوهاب لم يمت، بل مات المؤلف، وأن السرد باقٍ بالرغم من ترويض الخطاب، وانتهاك حدود نصوصه بالترويض”.