و.ض.أ / الاحساء / زهير بن جمعه الغزال
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف, وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: معاشر المسلمين: رمضان شهر عبادة وتوبة، شهر تقرب وأوبه، شهر توبة ورجوع، وإخلاص وخشوع، وسجود وركوع، شهر صيام وقيام، شهر بر وإحسان، وتلاوة للقرآن؛ ألا وإنه قد آذن بالرحيل، وما بقي منه إلا القليل القليل، قد وقف على ثنية الوداع، وأوشك على الرحيل، فليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المردود فنعزيه؛ فالغنيمة الغنيمة عباد الله، والبدار البدار، تداركوا ما بقي منه، وبادروا بالتوبة والاستغفار، وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
وأكمل: ألا وإن الأعمال بالخواتيم، فاجتهدوا فما هي إلا أيام معدودة، وساعات محدودة، ويذهب التعب والنصب، ويبقى الأجر إن شاء؛ ما هي إلا أيام يسيرة وتطوى صحفه، وتختم أعماله، فيا سعادة الفائزين، ويا ضيعة الخائبين، يا ويح المفرطين، ويا حسرة الخائبين، ويا مصيبة الغافلين؛ صعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المنبر فلمّا رقي عتبةً قال: (آمين)، ثمّ رقي عتبةً أخرى فقال: (آمين)، ثمّ رقي عتبةً ثالثةً فقال: (آمين)، ثمّ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللّه، قلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللّه قلت: آمين، فقال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل: آمین فقلت: آمین”. رواه ابن حبان.
وأضاف فضيلته: إنكم في أيام عظيمة، وأوقات فاضلة، فلا تضيعوها في القيل والقال، وفي الغفلة والكسل واللهو واللعب، ولا تضيعوها بالاشتغال بالجوالات ووسائل التواصل؛ اغتنموا أوقاتكم، اغتنموها في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، اغتنموها في التوبة والاستغفار والدعاء والابتهال. وأوضح: ألا وإن طرق الخيرات كثيرة فأين السالكون، وإن أبوابها المفتوحة فأين الداخلون، فخذوا عباد الله من كل طاعة بنصيب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وأضاف فضيلته: أيها الصائمون ..للعبادة المقبولة أثر في الإيمان، فأثرها في القلب والجنان، إصلاح النية، وتزكية النفوس والتقوى، والإخلاص والخشوع لله الأعلى؛ وأثرها في الجوارح والأركان، الكف عن المعاصي والمحرمات، والمثابرة على فعل الخير والطاعات، وقد قال تعالى عن الصلاة، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ)؛ وقال عن الصوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ فراقبوا الله في أعمالكم، فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ورب صائم ليس له من صيامه إلا العطش والجوع والنصب، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، نسأل الله السلامة والعافية.
وبيّن: إن من علامات قبول الأعمال، تغير الأحوال إلى أحسن حال، والاستقامة على صالح الأعمال، والتوبة إلى الله عز وجل، فأروا الله من أنفسكم خيرًا. وأوضح فضيلته: في العشر الأواخر ليلة خير من ألف شهر، تنزل فيها الرحمات، وتستجاب فيها الدعوات، وتكفر الخطيئات، وتغفر الزلات، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، وفيها تكتب المقادير، ويفرق كل أمر حكيم، فاحرصوا على قيامها، واجتهدوا في تحريها، وجدوا في طلبها، وتضرعوا إلى الله فيها، وحري بمن التمسها أن لا يخيب، والله ذو الفضل العظيم، وهي تلتمس في سائر ليال العشر، وخاصة في الوتر منها، وما بقي منها القليل.
ألا وإن أمامكم أرجى لياليها ليلة السابع والعشرين، فعن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه أنه كان يقول في ليلة القدر: «واللّه الّذي لا إله إلّا هو، إنّها لفي رمضان، يحلف ما يستثني، وواللّه إنّي لأعلم أيّ ليلةٍ هي، هي اللّيلة الّتي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشّمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها» رواه مسلم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين”، وقال: “تحروها ليلة سبع وعشرين”، يعني ليلة القدر. رواه أحمد؛ فاحرصوا على قيامها، واجتهدوا في تحريها، وجدوا في طلبها، وتضرعوا إلى الله فيها.
واختتم الخطبة بقوله: قد شرع الله في ختام هذا الشهر الكريم زكاة الفطر، فتجب على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، وتلزم الذكر والأنثى والصغير والكبير، وعلى الغني والفقير، يخرجها المسلم عن نفسه وعن من تلزمه نفقته. والمستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال، ومقدارها صاع من بر أو تمر أو شعير أو زبيب أو قمح أو أقط، أو ما يقوم مقام ذلك من قوت أهل البلد كالأرز والحنطة. والصاع مكيال يقاس به الحجم، وليس الوزن، فعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كلّ نفس من المسلمين حر، أو عبد، أو رجل، أو امرأة، صغيرٍ أو كبير صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير» رواه مسلم؛ وقد شرع الله زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والإثم، وزكاة للبدن، وطعمة للمساكين، ومواساة للفقراء يوم العيد؛ وتجب بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، والسنة إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ويأثم من أخرها بعد صلاة العيد من غير عذر، ويلزمه إخراجها.
Share