و.ض.أ/ خاص
على الرغم من توفر الافران الغازية والكهربائية، ومغادرة تلك التنانير الفخارية لبيوتنا واعتمادنا على ما تنتجه المخابز الأهلية من خبز وصمون، فان أهالي الزقاق الذي تسكنه في حي القاهرة ” أم مهند” اعتادوا على مشاهدة النيران المتوهجة التي تنطلق يومياً مع شروق الشمس من تنورها الطيني الذي يحتل زاوية من الطابق الثاني لمنزلها .
هؤلاء الجيران من تستهويهم تلك الرائحة الزكية المميزة التي يبعثها رغيف خبز ناضج التي تملأ أجواء زقاقهم الصباحية الندية، ويستذوقون الارغفة التي تصلهم هدية من المرأة الستينية التي تؤكد انها وأفراد أسرتها تعودوا على تناول خبز التنور الطيني منذ الصغر ، فهي الأكلة المفضلة لديهم مع كل وجبة افطار وطالما تناولوه لوحده لطعمه اللذيذ وقت يكون حاراً لسعته النار مستبقيه بعض آثارها على وجهه .هذه التنانير عندما انسحبت من منازل المدينة ، وجدناها بقيت تسكن القرى الريفية، كما رأيناها تستقر في عدد من المخابز والمطاعم الأهلية ، فغادرتها الحياة ، وصار لها مريدون، فاستمرت الورش على انتاجها وظل البعض يستوردها من النجف الاشرف لبيعها في العاصمة ومدن العراق الاخرى.
غير ان خلف حسن صاحب معمل صناعة تنانير الطين في المنطقة المحاذية لساحة عدن الذي أمضى حياته في هذه الحرفة واتقن انتاجها بمختلف القوالب والمقاييس يستدرك ما ذهبنا اليه فيقول : ان هذه المهنة لم تتوقف يوماً، لكنها قد تواجه الركود في بعض الأحيان لاسيما في مواسم الشتاء اذ يحتاج التنور الواحد الى عشرين يوماً لينشف بعد صناعته ونضطر أحياناً الى ايقاد النار داخله للإسراع بإيصالها الى حالة التيبس بينما ينجز التنور في الصيف خلال اسبوع .وعن المواد الاولية يوضح انهم يأتون بالتراب من محافظة النجف وبالذات من منطقة بحر النجف لاحتواء الأرض على مادة ( الطين خاوة) التي تكسب القوة للتنور ويخلط التراب بمادة التبن والنفاش اللذين يؤخذان من القصب والبردي لتتماسك العجينة بعد وضع التراب في حوض كبير من الماء ويترك ليومين كي يختمر الطين ثم يقطع على شكل فتائل يتم بناء “سافين” منها كل يوم . أحجام التنانير تتباين بين كبير يستخدم في المخابز والمطاعم وصغير للمنازل وفتحاتها تتباين أيضاً، حسب حسن، فالواسعة للتنور المستخدم في شوي الدجاج والسمك المسكوف والضيقة للخبز .
مبينا انهم يسهمون في تركيبها في المواقع المطلوبة، ان طلب منهم المشتري ذلك ، وعليهم أحياناً نصب تنور كبير الحجم يتسع الى 16 رغيفاً في طوابق عالية من المنزل فيتم قطع التنور بالكوسرة على شكل قطعتين ثم يجري ربطهما على السطح.أما صاحب محل بيع التنانير في الكاظمية احسان الكواز ، فانه يستوردها من النجف بسبب عدم توفر المساحات الواسعة للصناعة .. فيقول : ان أسعار التنانير تتعلق بحجمها فالكبيرة لاتتجاوز ( 175 ألف دينار) ولدى تنصيبها فيصل السعر الى (250الف دينار) بينما تتراوح أسعار التنانير الصغيرة بين (45 ـ 60 ألف دينار) .
ولأن البعض يستخدم (البريمز النفطي أو الغازي) بدل الحطب، يشير الكواز الى أن ذلك يستدعي رصف الطابوق الناري في أرضية التنور لدى تركيبه لتتوزع النار بشكل متساو ولاتتجه لجهة معينة داخل التنور فتؤدي الى فطره .
Share