و.ض.أ/ خاص
هناك خطوط رئيسة لقراءة اللوحة وهي: التكوين، اللون، توزيع الكتل، والصناعة “صناعة اللوحة ” واذا ما توفرت هذه العناصر بشكل متوازن ستصل اللوحة للجمهور بالتأكيد. من جانب آخر، هناك اساسيات يجب توفرها لدى المشاهد لقراءة اللوحة وفهمها. نؤشر اولا ان هناك خللاً في فهم الفن التشكيلي العراقي حالياً .. كفنان اعتبر التجريد اعلى مرحلة يصلها الفنان.. لكن كثيراً من الفنانين استسهلوا هذا الموضوع، لما للتجريد من فسحة كبيرة في الاستغناء عن الشكل بمفهومه العام ومحاورة المفهوم المطلق للشكل بأبعاده الفنية، على ان الفنان الذي يتخذ من التجريد اسلوبا للتعبير، ان يتسلح بمفاهيم المدارس الاخرى، يهضمها فنياً ويحاورها زمناً معيناً كي يتقن التجريد.. يقول الفريد هربرت ” ان اعلى طاقة للتجريد هو الطفل.. لكن المشكلة لديه انه لا يحترم المهنة.. ” عموما
الفن ليس سهلاً، هو عملية خلق متجددة وصعبة ، لها علاقة بثقافة الفنان واطلاعه وقراءته التي تبحث في فروع واساسيات الحياة، لا تكتفي بقراءة الفن فقط ، ونحن للأسف استسهلنا الموضوع.. قد يفهم المشاهد المدارس الانطباعية والواقعية اكثر من التجريدية لوضوح مفرداتها او لقربها من وعيه مع العلم ان ليس هناك شيء صعب وسهل في الفن، الفن هو الفن، والمشاهد يبحث عن المتعة والجمال في كل لوحة ولا يهمه اذا ما كانت تجريدية او واقعية او تكعيبية، وعليه يجب ان تتوفر طاقة جذب وعلاقة ثنائية بين المشاهد واللوحة وهذا ما نعبر عنه بالحميمية او الادهاش. عموما المدرسة التجريدية تعنى بالكتلة واللون والشكل.. وعندما يتقن الفنان ادواته تكون اللوحة لديه مكتملة وبدون هذه الخبرات سنؤشر خللاً واضحا في اللوحة.
مفهوم اللوحة الناجحة
على الرغم من ان اللوحة عبارة عن خط ولون وكتلة ومساحة.. محتوى فني ضمن اطار محدد كلما نجح الفنان في استغلالها وتوظيفها تقترب اللوحة من النجاح، الا انها تعدت في عالم الفن اليوم هذا المفهوم البسيط، الفـن التشكيلي فن ذاتي وبصري وهو لغة عالمية يجب ان تصل للمشاهد ببساطة، قد تكون اللوحة اليوم عبارة عن خط بسيط ولكنـه يحمل تلقائيـة عاليـة، مع ملاحظة ان مفهوم الجمال يختلف في مدارس الحداثة وما بعدهـا عن الفن الاكاديمي التي يبحث عن اتقان المهارات الاساسية للجمال وهو اساس لكـل فنـان فضلا عـن الحرفـة التي يجب ان تتوفر لديه ، وبمـرور الوقت يتحول الفـن الاكاديمي الى صنعـة يجيدها الفنـان.. لكن تبقـى قضيـة العقل والخبرات وارهـاصات الفنـان التـي يترجمـها لاعمـال قـد تكـون بسيطة او مميـزة. اعتقد ان الدرس الاكاديمي ضـروري لفهـم الفـن ولكـن علينا كسر هذا الطوق الى فضاءات اوسع ،اكثـر دهشة ، تنعـم بالضـوء.. الى عالـم ارحـب بمفرداتـه وقضايـاه.
الفن الحديث والشكل
ما زلنا نهتم في العراق ومنطقة الشرق الاوسط عموماً بالموضوع الذي انتفت له الحاجة في سوح الفن الحديث.. اذ ما عاد الفن يهتم كثيرا بالقضايا الكونية الكبيرة متجها الى الامور الانسانية البسيطة ، الى اليومي والمألوف وغير المألوف من احداث واشياء نمر عليها دون ان تلفت انتباهنا.. في اخر سفرة لي الى فرنسا وفي احد معارضها ، كانت الاعمال عبارة عن انارة وضوء واجساد” اداء فني” او مايسمى بالفن الحديث. العالم يتطور من حولنا ولكننا لم نستوعب هذا التطور، مازلنا نخوض صراع الشكل، على الرغم من تحرر الفن العالمي من الشكل منذ ستينيات القرن الماضي ، لكن المشكلة لدينا ان حياتنا لم تتغير، فما زلنا اسرى هذه المرحلة ،وهذا الموضوع يشكل ضغطا على الفنان، ربما لان حياتنا وتداعياتها ترتسم بهذا الشكل وربما ظروفنا غير المستقرة تضغط علينا كشعوب بهذا الاتجاه.. اذ لا يتمكن الفنان من التخلص من ارثه الاجتماعي والسياسي والفني بسهولة باتجاه تقديم عمل ” انارة ، اداء..” وبالتأكيد ان المشاهد لن يتذوقه ايضا لكلاسيكية قراءته وتعوده على نمط فني معين رغم اصالة الفن التشكيلي العراقي وتفرده في المنطقة.. الا ان التغيير مقبل، وهناك بوادر بهذا الاتجاه، لكنها تحتاج الى وقت.
Share