و.ض.أ/ خاص
تمثل منحوتات علي نوري حالة استثنائية من الفن العراقي، فهي تستند في ذلك الاستثناء إلى بعض من المقومات الجمالية والتعبيرية التي تأخذ بها لإنجاز منحوتات أكثر صرامة في العمل الفني ومردها الأول يعود للمادة الخام التي يتعامل بها، وهي الكرانيت والمرمر، وهي من المواد الصعبة في النحت بالإضافة إلى الخامة، هناك الصياغة البنائية بدرجاتها التعبيرية ومدلولها وصياغة التصميم والتفاعل الشكلي الذي ينهل من خبرة ابتدأها علي نوري منذ معرضه الأول في قاعة حوار العام 2001 ولحقها بعد عام في معرضه في قاعة دجلة ثم توالت المعارض ومن بينها ما ميزه معرض مصر العام 2009.
معالم تلك المنحوتات وفرت قدرة من التقنية بحيث أخرجت أشكالا لها وجهة تفصح عن تحسس جاد بقراءة الموجودات التي التصق بها علي نوري، واحدة من بينها ما تشير اليه دلالة التفاحة المقضومة، والتلاعب الجسدي للرجل، وهذا الاستلهام يتبنى موقفا إنسانيا محملا بمشاعر الآدمية.
محمولات أعماله الكرانيتية تعبر عن تحول ذهني يتجاوز المرئيات إلى روابط الأنا المطلقة، بمعنى ان كل ما ينصب من تشكيل نحتي هو نتاج تحقيق معرفي تتدرج فيه البساطة والجذور مع الحفاظ على مقومات بحثه واكتشافاته، فلو استخرجنا بعضا من منحوتاته التجريدية، فإن سبيلها ومظاهرها تنم عن معطيات تتركها المخيلة التي توظف سياق البعد الشرقي، فهو لايقترح بديلا عن المحكي من القصص، بل يجد في محمول الخطاب لوازم لا بد منها لتبني أدلة الشفرات ومعياريتها في مواد صعبة كالكرانيت، ومن خلال متابعتي لما ينجزه اكتشف انه يرجح المدلول على الدال حتى لو كلفه الأمر المزيد من الجهد البنائي في إعطاء الشكل الأخير نضارته المرئية، وهذا يوضح لنا سر تعطيل وتأخير بعض من نماذجه ليس السبب في المادة، بل في الصياغة التي تحيل مركز فاعلية الشكل إلى موضوعة لها طاقة جمالية تتغذى من البيئة الشرقية.
هناك ايضا لمن يتابعه يكتشف ان اعماله تمر بمعيارية طويلة ومتغايرات شكلية عديدة سببها التعامل مع الهيئة الشكلية بدقة وتأن، وهنا لا بد من الحديث عن الوظائفية التي يراد لها أن تقام في مقتضيات نزعة الحداثة مع خامات صعبة من شانها أن تغير من وجهة المتلقي للعمل النحتي
الطابع البنائي الذي يتعامل به علي نوري وفر له الاهتمام المتزايد بالمشخص الهندسي وأصبحت العودة عنده لمخيلة الأثر مع تناسق الوثائقية طابعا حادا يحافظ عليه، فهو ينفق الكثير من تساميه الروحي في العمل ليستدرج فيه المشاهد إلى تكريس هوية الانسان وقيمه، فهو ليس نحاتا من اولئك الذين يأخذون جوانب اسلامية بحتة، ولا غرائبية خارجة عن فهم الموجودات، انه يلقي بآثار النزعة ليظهر أواصر ذلك التجانس الشكلي في بنائية وتنظيم خال من الزخرفة.
منحوتات حاملة لراهنية ما يحدث في الحياة تزاوج بين الموضوعي والتأملي، وبالتأكيد ثمة على مساحة أخرى من العمل ما يجعلها تستند الى الارتقاء بأواصر بيئتها ومنحنا مزيـدا مـن الشــعور بقابليتها وتناميها شريطة التحول وليس التصوير .
مارس هذا الفنان المثابر العمل مع خامة صعبة ونجح في تعيين نماذج فنية قادرة على الإعلان عن ضرورتها وإثارة امتلائها المعرفي، فهي تؤدي وظيفة تخاطب بإثارة وارتباط مع الجذور، ولها الرغبة في توليد شفرات تتماهى مع الموجود من السمات المحلية، هاجس الإغواء يلوح لنا ونتائج بلاغة الشكل تفرض صدقها، ولكن التساؤل الذي لا بد من إبدائه…
كيف يتم تكريس مادة الخام الصعبة في تراكيب توفر اتجاها معرفيا توسع لنا صعوبة الشكل فيه من هيمنة المعنى ونشر حقائق مشهدية السطح النحتي”.
Share