و.ض.أ/خاص
امسكت بقلم الرصاص بأصبعين مرتجفين، هما كل ما تملك في كلتا يديها، بدأت الرسم بحرفية عالية، كانت ترسم الوجوه والملامح، مبتسمة ضاحكة، لوحاتها تنبض بالحياة، جميع أبطال رسومها أشخاص يتسمون بحب الحياة.
فاطمة عمار الطالبة في الصف السادس الإبتدائي، ولدت معاقة لا تملك في يديها سوى شبه إصبع في كل واحدة ولكن من يراها يظنها تمتلك كل الكمال.
إلتقيتها في مدرستها في حي الحسين وهو أحد أحياء محافظة كربلاء ذات الصبغة الدينية والتي تتاح للنساء فيها بعض الفرص والحريات للتعبير عن انفسهن في مجالات مختلفة.
تقول فاطمة، “أحببت الرسم وحاولت من خلاله توظيف ما أملك من أطرافي وموهبتي معا لأضعها كعناوين لأمنياتي على الورق”.
وتتحدث عن بدايتها، ” بدأت أرسم في عمر التاسعة، ووجدت التشجيع من قبل والدتي التي كانت تهيئ لي الأقلام والأوراق والألوان وتدفعني الى الرسم واستغلال طاقاتي فيه، كانت تحاول أن تشعرني بأني فتاة إعتيادية لا ينقصني شيء وهذا ما أشعر به فعلا”.
فاطمة ترسم الربيع وتلون الحياة بألوان زاهية فهل تراها كذلك؟
تدقق النظر في بعض رسوماتها لبرهة وتؤكد، ” أحب الحياة ولا أراها سوداء أو بيضاء، أحب ان ألونها دائما بألوان الربيع، فمن تلك الألوان أستمد قوتي في مواجهة العالم”.
وعن مشاركاتها في معارض فنية، ” أشارك سنويا في معارض النشاط المدرسي، وأحصل على شهادات تقديرية وجوائز تشجيعية، وشاركت أيضا في معرض العتبة الحسينية في صحن العقيلة زينب، ومعرض آخر في البيت الثقافي ونالت رسومي استحسان المختصين”.
هل يتوقف الإبداع إذا ما إقترن بالإعاقة ؟
تستذكر فاطمة أول مرة شعرت فيها بالإعاقة، تنهدت وقالت، “لست وحدي المعاقة في بلد ملئ بالمعوقين، فالحرب والعنف خلف صغارا وكبارا يعانون من الإعاقة، ولكن الفرق يكمن في من يستسلم لإعاقته أو ينتصر عليها وأنا انتصرت عليها”.
تتكلم الرسامة الصغيرة بكثير من الثقة وتبحر في عوالم الكلام الخفية بقدرة امرأة عارفة لا طفلة لم تجرب الحياة بعد.
وعن أمنياتها ذكرت فاطمة، “أحلم في مستقبل أرى نفسي فيه فنانة تشكيلية مهمة على المستوى المحلي والعربي والعالمي أيضا، وتستدرك، في العالم عدد لا بأس به من المعوقين يبدعون في مجالات مختلفة في العالم، وحتما سأكون واحدة منهم إن تمكنت من تطوير موهبتي أو إجتهدت في دراستي”.
وبينما إستغرقت فاطمة في الرسم كانت بشائر هادي معلمة مادة التربية الفنية في مدرسة البلاد الإبتدائية للبنات، تتابع فاطمة وتوجهها، وتكلمت بثقة، ” أعتقد بان فاطمة ستكون شيئا مميزا في المستقبل إذا ما تلقت الرعاية الكاملة من قبل الحكومة، ففي الدول الأخرى ترعى الحكومات مواهب المعوقين وتطورها وهي بحاجة إلى تلك الرعاية هنا لأنها تمتلك ثقة في النفس لا يملكها الإنسان السليم”.
وأشارت هادي إلى، أنها “عملت على تطوير موهبة فاطمة وكانت تستقبلها في بيتها خلال العطلة الصيفية لتمنحها ألوانا وأوراقا وتترك لها حرية الرسم حتى حققت نتائج طيبة”.
وأضافت، ” أعمل جاهدة على غرس الثقة في نفسها وتعزيز جانب الأهمية لمنجزاتها، وهي بحاجة إلى دعم إضافي من قبل الحكومة هي ومن شابهها من المعوقين كي يشعرون بانهم أشخاص قادرين على ان يكونوا مواطنين فاعلين في البلاد ِشأنهم شأن الأصحاء”.
وتكمل، “أقحمتها في جميع النشاطات الفنية وإدارة المدرسة تشجعها دوما لأنها طالبة مجتهدة أيضا وهي ترفض مساعدة الآخرين لها فهي تقوم بكافة واجباتها اليومية بإصبعين فقط”.