و.ض.أ/ البصرة/ نجاح العابدي
لم يتبقَ من بساتين النخيل الشامخة في البصرة إلا القليل بعد أن فتكت آلة الحرب بعدد كبير منها ، يضاف إليها الإهمال والتجريف وتصاعد نسبة ملوحة المياه والجفاف والأمراض التي عانت منها بساتين النخيل لأعوام طويلة، فبعد أن كان عدد النخيل يقدر بـ 30 مليون نخلة وبإنتاج يصل إلى أكثر من مليون طن من التمر سنوياً ، فقد أدت تلك الظروف إلى انحسار نصف أعداد النخيل وتقليص الإنتاج السنوي فلم يعد المسافر عبر مجرى شط العرب يتغنى بالنخيل البصري الممتد لمئات الأميال راسماً ضفتي النهر من رأس الخليج العربي في الفاو وحتى القرنة ملتقى نهري دجلة والفرات.
صاحب أحد أكبر بساتين النخيل في قضاء أبي الخصيب عبد الله أحمد الحلفي قال إن “الحشائش تنتشر في أغلب البساتين ولم يعد الكثير من أِشجار النخيل التي نملكها تنتج تمراً يصلح للأكل فما تنتجه أشجار النخيل في الفترة الحالية لا يصلح غذاءً للحيوانات الأمر الذي تسبب بهجرة أعداد كبيرة من المزارعين وأصحاب بساتين النخيل للهجرة وترك الزراعة للإلتحاق بأعمال اخرى تؤمن لعوائلهم سبل العيش الكريم”. منوهاً إلى أن “مصير أشجار النخيل في البصرة الهلاك إذا لم تتدخل السلطات الحكومية في معالجة مشاكل الفلاحين سريعا”, متسائلاً أين البرحي أين الساير والحلاوي) مطالباً الحكومة العراقية بإبدال النخيل القديم المريض بنخيل جديد وتحسين مصادر الري وتقليل ملوحة المياه.
وذكر الحلفي أن “مصادر المياه كانت سابقاً مناسبة للري لغاية منتصف التسعينات كما كانت مبيدات الآفات والمخصبات متوفرة أنذاك وأن ذلك ساعد على إنتاج التمر بوفرة”.
رئيس لجنة الزراعة في مجلس محافظة البصرة جمعة الزيني أوضح أن “حكومة البصرة تسعى لإستعادة مكانتها الدولية من حيث أعداد التمور المنتجة في بساتينها بتعدد أنواعها والعمل على تقليل إستيراد التمور والفسائل من دول العالم”، لافتاُ إلى أن “مجلس محافظة البصرة صادق على قانون محلي لتطوير زراعة النخيل وإنتاج التمور يتضمن ذلك القانون تقديم دعم للمزارعين ويفرض عقوبات على الذين يجرفون بساتين النخيل”.
وتابع الزيني “كما صادق المجلس على قانون تطوير زراعة النخيل في البصرة حيث سيحافظ ذلك القانون على عملية تطوير زراعة النخيل بعد أن شهدت بساتين البصرة إنحسار زراعة النخيل بسبب تعرضها للإبادة والتجريف”.
ولفت الزيني إلى أن “القانون يتضمن أيضاً تقديم دعم وتسهيلات إلى مزارعي النخيل ومنتجي التمور، كما يفرض عقوبات صارمة على الذين يلحقون الضرر ببساتين النخيل من خلال تجريفها”، معتبراً أن “القانون يعد خطوة ضرورية في سبيل إنعاش وتنمية زراعة النخيل في المحافظة”, مؤكداً أن “الإهتمام بزراعة النخيل والتأكيد على الإهتمام به لم يأتِ من فراغ وإنما جاء نتيجة لما لهذه الشجرة من أهمية للإنسان من النواحي الغذائية والبيئية والإقتصادية والإجتماعية”.
مدير قسم النخيل في مديرية زراعة البصرة عبد العظيم كاظم كشف عن إستحداث طرق جديدة لزراعة النخيل، مبيناً إن “ملوحة مياه شط العرب وسنوات الحرب السابقة تسببت بإتلاف آلاف الهكتارات من بساتين النخيل الممتدة من مركز شط العرب إلى ناحية السيبة جنوب البصرة”, لذلك عملت مديرية زراعة البصرة وبالتعاون مع منظمة (ايكاردا) البحثية الدولية لإستحداث طرقاً علمية جديدة عالمياً في زراعة النخيل وتكثير فسائله ستتبعها المديرية في الفترة القادمة لإنقاذ ما تبقى من بساتين النخيل عبر تكثير الفسائل مختبرياً عن طريق الزراعة النسيجية”.
وأشار كاظم إلى أن “إدخال التقنيات الجديدة الخاصة بعملية الإكثار بالطريقة النسيجية من خلال إنشاء مختبر من مبالغ تنمية الأقاليم التابعة لديوان المحافظة وتجهيزه بكافة المعدات باشر بالعمل في هذا المختبر منذ ستة أشهر.
وعن عملية الإكثار بالطريقة النسيجية أوضح أن “طريقة الإكثار النسيجية تختلف عن الطريقة التقليدية المتمثلة بزراعة الفسائل كون الطريقة التقليدية معرضة لعدم نموها في أغلب الأحيان بسبب عدم مقاومتها لملوحة مياه الري, أما الإكثار بالطريقة النسيجية الحديثة تتميز بأنها تنتج عشرات الآلاف من شتلات النخيل عن طريق أخذ جزء من النبات وزرعه داخل سندانات تحتضن النبات في وسط غذائي خاضع لدرجة حرارة ورطوبة معينة حيث يتم أخذ القمة النامية من الجمار لتنمو وسط تلك السندانات وبعد مدة معينة ستنتج هذه الطريقة عدد كبير من البراعم والشتلات تقدر بعشرات الآلاف, كما يتم من خلال هذه الطريقة زراعة أصناف النخيل التي توشك على الإنقراض مثل صنف أم الدهن والكنطار وتعويض الأضرار التي أصابت الأصناف الأخرى على مدى السنوات الماضية”.
ويحدد متابعون عدد نخيل البصرة بعد عام من توقف الحرب العراقية – الإيرانية، وفي ضوء إحصائية عام 1989 بمليون وتسعمئة ألف نخلة بعد أن كانت تقدر عام 1977 قبل إندلاع الحرب مع إيران بـ 3 سنوات بأكثر من 13 مليون نخلة، إذ كانـت الفسائل تزرع بوجود النخلة الأم والنخلة الجدة وكلها مثمرة، لكن طريق التعاون الذي فتحه الجيش العراقي من «منطقة الخورة» حتى آخر نقطة في «رأس البيشة» في الفاو تسبب في جرف آلاف الهكتارات من الأرض الزراعية وتحويلها إلى مراصد وسواتر حربية جعلت من المنطقة هذه والبالغ طولها أكثر من 120 كلم أرضاً بوراً.
هذا وتوالت التراجعات سنة بعد أخرى حتى أجهز عليها بالكامل النظام السابق أثناء حربه مع إيران، بعد هجرة الفلاحين وتجريف الغابات الكثيفة من النخيل والبساتين على ضفتي شط العرب، وبذلك خرجت تمور البصرة منذ ثمانينات القرن الماضي من السوق العالمية، فأغلقت مكاتب التجار في لندن وفرنسا وأميركا والهند وجنوب شرقي آسيا وبلدان الخليج، حتى نسيت الأسواق العالمية المدينة بصفتها منتجاً لأقدم أنواع التمور وأجودها بعد أن كان إنتاجها منها تجاوز الـ130 ألف طن سنوياً.
Share