و.ض.أ/ البصرة/ حيدر الاسدي
الفن التشكيلي العراقي له تاريخ كبير وجذوره تمتد بعيداً كيف لا، وهو لا يترك اثراً الا وجعل فيه مبدعاً من مبدعيه، ضيفتنا لهذا اليوم فنانة موهوبة، واكاديمية متمكنة من ادواتها الفنية، خريجة كلية الفنون الجميلة قسم التشكيلي وعضو عامل في نقابة الفنانين ونقابة المعلمين، وعضو جمعية المصورين لديها اربع معارض شخصية كان اخرها ( اشباه مغايرة) الذي لاقى نقاشا طويلا وتركيزاً من وسائل اعلام مختلفة..
**لنبدأ من الأخير، تنتمي لوحاتك إلى المدرسة التعبيرية التجريدية وهي أكثر المدارس صعوبة، ففيها إبهاج البَصَر؟ هل انتمائك لهذه المدرسة، جاء من هذا الباب، كوننا كشرقيين وكعراقيين تغوينا الالوان؟
-انتمائي للتعبيرية التجريدية لم يأتي فجأة او اعتباطا بل جاء بعد رحله طويلة من الدراسة الاكاديمية والرسم الواقعي الاكاديمي ومن المعروف انه بعد كل دراسة اكاديمية ورسم اكاديمي يتوصل الفنان الى البحث عن اسلوب خاص وبحث وراء كل ما هو معاصر وجديد.. ومن المعروف ايضا ان الفن ما بعد الحداثة بل وما بعد بعد الحداثة يوصل الفنان الى مرحلة ما بعد البحث بل وايجاد تجارب ترتقي للتفرد وعدم مشابهتها لأي عمل اخر وهذا ما نبحث عنه الان… والتعبيرية التجريدية اقرب المدارس لي لانها تعطي للفنان الحرية في ان يعبر عن ما في دواخله دون قيد او شرط ودون ان اكون مجبره على شرح ما ارسم وترك الحرية للمتلقي بقراءة اللوحة فهو فن اللحظة اي مواجهتي مع اللوحة تكون لحظوية وآنية والفكرة تتولد آنية دون اي تجهيز مسبق مما يجعلني ابحر في عالم اللون والفكر واللاوعي.
**في معرضك الاخير (اشباه مغايرة) كانت هناك لوحة من اكريلك مع كانفاس يطغى اللون الازرق والاصفر والوجوه، وهذا الاستخدام اكيد مقصود الدلالة، ما قصة وجوه لوحاتك؟
-انا في كل معارضي السابقة وهذا معرضي الشخصي الرابع كنت ابحث واجرب، ففي كل معرض لي تجربة مغايرة عن المعرض الاخر وهذا ما اسعى له ان تكون لي تجربه جديدة في كل معرض مع حفاظي على تقنية اللون المعروف عني انه لون منى مرعي ومعرضي الاخير اشباه مغايرة تولدت عندي بعض الوجوه لذا ارتأيت ان يكون المعرض كله قائم على الوجوه التعبيرية التي لها اساس حتى في تسمية المعرض.
**ترتيب شخوص لوحاتك بصورة عمودية (فوق، تحت) ماذا تريدي القول بهذا؟
-أحس ان اللوحة العمودية وكذلك القياس الذي يكون مستطيل عمودي اقرب اللوحات الى نفسي لا اعرف سبب هذا الاحساس ربما هو احساس لا واعي ولكني اشعر باني اكثر ابداعا بالعمل العمودي واشعر بعلاقة هارمونية مع اللوحة التي تكون بهذا الشكل واحب الاعمال الى نفسي هي من كانت عمودية وحتى احس بانسيابية اللون وكانه يحاكي دواخلي ويمسني بشكل كبير.
**هل اللوحة (نص مرئي)؟حسب تجاربك؟ ام هي غواية جمالية جامدة؟
-اللوحة تعتبر محاكاة لا واعية لدواخل الفنان فانا الان عندما اتجه لمرسمي لا اقوم بالتحضير المسبق بل اجهز اللوحة واواجهها وابدأ بوضع اللون والتقنية الخاصة بي وتتولد الفكرة بشكل آني لاجد بعدها ان الفكرة تولدت بشكل لا واعي اي انعكست دواخلي من حيث ادري ولا ادري.. لذا فهي حقيقة داخلية لا يمكن اخراجها احيانا بالكلام انما احساس يخرج عن طريق اللون والقماش وهذا ما يجعلنا نتميز عن غيرنا من البشر اننا نفرغ شحنات داخلية لا واعية على اللوحة فنشعر براحة كبيرة بعدها.
**كيف تثبتي ان اشباهك، مغايرة؟
-اسم المعرض اثار جدلا واسعا وهذه كانت غاية واعية ومقصودة… فمن يقرأ او يسمع بالاسم يتصوره اسم فلسفي رمزي بحت الا انه رغم الرمزية العالية الا انه من ناحية اخرى حقيقة علمية فلا يوجد في الكون شيء يشبه شيء اخر فكل الاشياء مغايرة لبعضها حتى وان تشابهت من حيث الشكل الخارجي فهي تختلف بدواخلها ومضامينها، ومن ناحية اخرى فان العراق والعراقي يختلف ومغاير لاشباهه من البشر فتلقيه للفرح والحزن يختلف عن اشباهه من البشر وايضا تعبيره عن الفرح والحزن يختلف و كذلك الظروف التي مر بها مغايرة.
**بسمات بغدادية؟ رغم حزنها، كيف ابتسمت بغداد في لوحاتك؟
-في معرضي الثاني والذي كان تحت عنوان (بسمات بغدادية) ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة ولعشقي لبغداد والشناشيل البغدادية منذ الصغر ارتأيت ان اعبر بطريقتي عن بغداد ومن المعروف عني ايجابيتي في كل شيء لذا حاولت ان ابحث عن الفرح في الوجوه المتعبة وفي الازقة البغدادية الخربة… بحيث تأملت وارتأيت ان تكون بغداد في نظر اجمل ومستقبلها اروع.
**اللون الاحمر والازرق شخصيتان رئيسيتان في لوحتك؟ ودلالة اللون الاحمر سيكولوجيا ذات ابعاد سلبية تفصح عن ذات سلبية كما تعلمين، لما الاحمر برأيك؟
-الاحمر من وجهة نظري هو لون الحياة النابضة فالقلب احمر وهو يضخ الدم لجسد الانسان كي يبقى على قيد الحياة، فهو لون يبعث على الدفء والحياة وهو برأيي اجمل الالوان بل واكثرها اثارة.
**جاكسون بولوك وهانس هوفمان ابرز ممثلي التعبيرية التجريدية في اوربا؟ هل اخذت الشيء الكثير منهما ام ان مرجعياتك هي شرقية؟
-انا رغم حبي للتعبيرية التجريدية واحترامي لهولاء الفنانين الا اني لا اتأثر باي فنان اخر بل اربي عيوني وذائقتي فقط مما عملوا ولكني حين ارسم افصل حواسي من البيئة المجاورة واعكس دواخلي بكل صدق على قماش اللوحة.
**تلتصقين تماما بالهم المجتمعي وخصوصا العراقي؟ ولا تحاولي الخروج منه الا قليلاً هل تعتقدي ان مهيمنات البيئة تحكم لوحات الفنان؟
-اكيد انا عراقية وحبي لعراقيتي ولبلدي يجعلني اشعر بمعاناة بلدي وجرحه الذي طال شفاءه لذا تجد دواخل العراقي تظهر في اي شيء يعمله وخصوصا الفنان فهو يستشعر ما يدور في بيئته ويظهر سواء بشكل واعي او لا واعي في كل مجالاته وابداعه وفنه.
**كيف ترى منى مستقبل الفن التشكيلي العراق وخصوصا في الأكاديميات المختصة؟
– المستقبل بيد الله ولكن هناك ثروة ثمينة من شباب ناهض بالفن التشكيلي الان وهذا يبشر بالخير فهم ثروة فنية تبشر بمستقبل واعد.
***كلمة الختام اتركها لك؟
-شكراً لكل مهتم بالفن وكل من يخرج كلمة صدق بحق مبدع حقيقي…. فما يهمنا الآن هو الابداع الحقيقي بعيدًا عن كل زيف وخداع فقلوبنا وعقولنا متعبة ومحملة بالكثير وما يبعدنا عن هذا كله هو الابداع كلاً من مكانه… وألواني هي ما يأخذني بعيداً عن هول ما نرى من مصائب وما يجعلني اتنفس الهواء الحقيقي.
Share